الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
فضربوا لقدومه المدافع من جميع القلاع وتلقته كبار الفرنساوية وأصاغرهم وذهب الى بيت بونابارته الذي كان ساكنًا به وهو بيت الألفي بالأزبكية وسكن مكانه وفي ذلك اليوم قدمت طائفة من العسكر من جهة الشرقية وصحبتهم منهوبات كثيرة من بلد عصت عليهم فضربوها ونهبوها ومعهم السبعين من الرجال والصغار وبعض النساء وهم موثوقون بالحبال فسجنوهم بالقلعة. وفيه ذهب أكابر البلد من المشايخ والأعيان لمقابلة ساري عسكر الجديد للسلام عليه فلم يجتمعوا به ذلك اليوم ووعدوا الى الغد فانصرفوا وحضروا في ثاني يوم فقابلوه فلم يروا منه واستهل شهر ربيت الثاني بيوم الأحد سنة 1214 في أوائله ابتدأوا في عمل مولد المشهد الحسيني وقهروا الناس وكرروا المناداة بفتح الحوانيت والسهر ووقود القناديل عشر ليالي متوالية آخرها ليلة الخميس ثاني عشره. وفيه طلب ساري عسكر الجديد من نصارى القبط مائة وخمسين ألف ريال فرانسة في مقابله بواقي سنة 1212 وشرعوا في تحصيلها. وفي يوم الجمعة سادسه ركب ساري عسكر الجديد من الأزبكية ومشى في وسط المدينة في موكب حافل حتى صعد الى اقلعة وكان أمامه نحو الخمسمائة قواس وبأيديهم النبابيت وهم يأمرون الناس بالقيام والوقوف على الأقدام لمروره وكان صحبته عدة كثيرة من خيالة الإفرنج وبأيديهم السيوف المسلولة والوالي والآغا وبرطلمين بمواكبهم وكذلك القلقات والوجاقلية وكل من كان مولى من جهتهم ومنضمًا إليهم ما عدا رؤساء الديوان من الفقهاء فلم يطلبوهم للحضور ولا للمشي في ذلك الموكب ولما صعد الى القلعة ضربوا له عدة مدافع وتفرج على القلعة ثم نزل بذلك الموكب الى داره. وفي يوم السبت سابعه ركب أغات الينكجرية في أبهة عظيمة وجبروت وأمامه عدة من عسكر الفرنسيس وأمامه المنادي يقول: حكم ما رسم ساري عسكر خطابًا للآغا: إن جميع الدعاوى والقضايا العامية لا تعمل إلا ببيت الآغا وكل من تعدى من الرعايا أو وقع منه قلة أدب يستأهل ما يجري عليه. وفيه ركب ساري عسكر الكبير في موكب دون الأول ووصل الى بيت رئيس الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوي ثم رجع الى داره. وفي يوم الأحد ثامنه عمل ساري عسكر وليمة في بيته ودعا الأعيان والتجار والمشايخ فتعشوا عنده ثم انصرفوا الى ديارهم. وفي يوم الثلاثاء عاشره كان آخر المولد الحسيني وحضر ساري عسكر الفرنساوية مع أعيانهم الى بيت شيخ السادات بعد العصر في موكب عظيم وأمامه الآغا والمحتسب وعدة كبيرة من عسكرهم وبيدهم السيوف المسلولة فتعشوا هناك وركبوا بعد المغرب وشاهدوا وقود القناديل. وفي سادس عشره نودي بنشر الحوائج وكتبوا بذلك أوراقًا وألصقوها بالأسواق وشددوا في ذلك بالتفتيش والنظر بجماعة من طرف مشايخ الحارات ومع كل منهم عسكري من طرف الفرنساوية وامرأة أيضًا للكشف عن أماكن النساء فكان الناس يأنفون من ذلك ويستثقلونه ويستعظمونه وتحدثهم أوهامهم بأمور يتخيلونها كقولهم: إنما يريدون بذلك الاطلاع على أماكن الناس ومتاعهم مع أنه لم يكن شيء سوى التخوف من العفونة والوباء. وفي عشرينه نودي بعمل مولد السيد علي البكري المدفون بجامع الشرايبي بالأزبكية بالقرب من الرويعي وأمروا الناس بوقود قناديل بالأزقة في تلك الجهات وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلًا ونهارًا من غير حرج وقد تقدم ذكر بعض خبر هذا السيد وأنه كان رجلًا من البله وكان يمشي بالأسواق عريانًا مكشوف الرأس والسوأتين غالبًا وله أخ صاحب دهاء ومكر لا يلتئم به واستمر على ذلك مدة سنين ثم بدا لأخيه فيه أمر لما رأى من ميل الناس لأخيه واعتقادهم فيه كما هي عادة أهل مصر في أمثاله فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثيابًا وأظهر للناس أنه أذن له بذلك وأنه تولى القطبانية ونحو ذلك فأقبلت الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع ألفاظه والإنصات إلى تخليطاته وتأويلها بما في نفوسهم وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته وأنه يطلع على خطرات القلوب والمغيبات وينطق بها في النفوس فانهمكوا على الترداد إليه وقلد بعضهم بعضًا وأقبلوا عليه بالهدايا والنذور والإمدادات الواسعة من كل شيء وخصوصًا من نساء الأمراء والأكابر وراج حال أخيه واتسعت أمواله ونفقت سلعته وصادت شبكته وسمن الشيخ من كثرة الأكل والدسومة والفراغ والراحة حتى صار مثل البو العظيم فلم يزل على ذلك الى أن مات في سنة سبع بعد المائتين كما تقدم فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع وعمل عليه مقصورة ومقامًا وواظب عنده بالمقرئين والمداحين وأرباب الأشاير والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم ونحو ذلك ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم وصار ذلك المسجد مجمعًا وموعدًا فلما حضر الفرنساوية الى مصر تشاغل عنه الناس وأهمل شأنه في جملة المهملات وترك مع المروكات فلما فتح أمر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات أعيد هذا المولد مع جملة ما أعيد. واستهل شهر جمادى الأولى بيوم الجمعة سنة 1214 فيه اهتم الفرنسيس بعمل عيدهم المعتاد وهو عند الاعتدال الخريفي وانتقال الشمس لبرج الميزان فنادوا بفتح الأسواق والدكاكين ووقود القناديل وشددوا في ذلك وعملوا عزائم وولائم وأطعمة ثلاثة أيام آخرها يوم الاثنين ولم يعملوه على هيئة العام الماضي من الاجتماع بالأزبكية عند الصاري العظيم المنتصب والكيفية المذكورة لأن ذلك الصاري سقط وامتلأت البركة بالماء فلما كان يوم الأحد نبهو على الأمراء والأعيان بالبكور الى بيت ساري عسكر. فاجتمع الجمع في صبح يوم الاثنين فركب ساري عسكر معهم في موكب كبير وذهبوا الى قصر العيني فمكثوا هناك حصة وعرضت عليهم العساكر جميعها على اختلاف أنواعها من خيالة ورجالة وهم بأسلحتهم وزينتهم ولعبوا لعبهم في ميدان الحرب وخلع ساري عسكر على الشيخ الشرقاوي والقاضي وأغات الينكجرية خلع سمور ثم رجع الى منازلهم ثم نودي في جميع الأسواق بوقود أربع قناديل على كل دكان في تلك الليلة ومن لم يفعل ذلك عوقب. ثم عملوا بالأزبكية حراقة نفوط ومدافع وسواريخ ولعبوا في المراكب طول ليلهم. وفي سابعه بعد عيد الصليب نقص ماء النيل وكان من أول زيادته قاصرًا عن العادة وزيادته شحيحة فضج الناس وانكبوا على شراء الغلة وازدحموا في الرقع والسواحل وطلب باعة الغلة الزيادة في السعر فجمع الفرنساوية كل من كان له مدخل في تجارة الغلال وزجروهم وخوفوهم وقالوا لهم: هذه الغلة الموجودة الآن إنما هي زراعة العام الماضي وأما هذا العام فلا تخرج زراعته إلا في العام المقبل فانزجروا وباعوا بالسعر الحاضر وقد كاد يقع الغلاء العظيم لولا ألطاف الله ورحمته ونعمه العميمة الشاملة حصلت. وفيه أرسلوا جملة عساكر من الفرنساوية الى مراد بك بناحية الفيوم وعليهم كبير فوقع بينهم وبينه أمور لم أتحقق تفصيلها وترددت بينه وبين ساري عسكر الرسل والمراسلات ووقع بينه وبينهم الهدنة والمهاداة واصطلح معهم على شروط منها تقليده إمارة الصعيد تحت حكمهم. وفي هذا الشهر كثرت الإشاعة باجتماع عساكر عثمانية جهة الشام فكثر اهتمام الفرنساوية بإخراج الجيخانات والمدافع وآلات الحرب والقومانية والعساكر وتحصين الصالحية والفرين وبلبيس. واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1214 وفيه كثرت الأقوال وتواترت الأخبار بوصول الوزير الأعظم يوسف باشا الى الديار الشامية وصحبته نصوح باشا وعثمان آغا كتخدا الدولة وحسين آغا نزله أمين ومصطفى أفندي الدفتردار وباقي رجال الدولة وعسفوا في البلاد الشامية وضربوا عليهم الضرائب العظيمة وجبوا الأموال فلما كان في منتصفه وردت الأخبار بوصولهم الى غزة والعريش وأنهم حاصروا قلعة العريش وقاتلوا من بها من عسكر الفرنساوية حتى ملكوها في تاسع عشره. واحتووا على ما كان فيها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وصعد مصطفى باشا الذي باشر أخذ القلعة مع جملة من العسكر وبعض الأجناد المصرية وضربت النوبة وحصل لهم الفرح العظيم فاتفق أنه وقعت نار على مكان الجبخانة والبارود المخزون بالقلعة وكان شيئًا كثيرًا فاشتعلت وطارت القلعة بمن فيها واحترقوا وماتوا وفيهم الباشا المذكور ومن معه ومحمد آغا أرنؤد الجلفي وغيره من المصرلية ومات كثير ممن كان خارجًا عنها وبقربها مما نزل عليهم من النار والأحجار المتطايرة في أسرع وقت ولما تحقق الفرنساوية أخذ العريش وأن عساكر العثمانيين زاحفة الى جهة الصالحية تهيأ ساري عسكر الفرنساوية واستعد للخروج والسفر في أسرع وقت وخرج بعساكره وجنوده الى الصالحية وقد كان قبل أخذ العثمانيين قلعة العريش أرسل الفرنساوية الى سينت كبير الانكليز مراسلات ليتوسط بينهم وبين العثمانيين ثم ورد فرمان من حضرة الوزير قبل وصوله لجهة العريش خطابًا الى جمهور الفرنساوية باستدعاء رجلين من رؤسائهم وعقلائهم ليتشاور معهم ويتفق معهم على أمر يكون فيه المصلحة للفريقين على ما سيشترطونه بينهم فوجهوا إليه من طرفهم بوسليك رئيس الكتاب وديزه ساري عسكر الصعيد فنزلوا في البحر على دمياط وطالت مدة غيابهم وبعث كلهبر ساري عسكر رسلًا من طرفه لاستفسار الأخبار. واستهل شهر شعبان المعظم سنة 1214 فورد الخبر بقدومهما في اثنين وعشرين فيه الى الصالحية فأرسلوا لهما الخيول وما يحتاجان إليه وحضرا الى مصر وشاع أمر الصلح وحضر من طرف العثمانيين رئيس الكتاب والدفتردار لتقرير الصلح وجنح كل من الفريقين الى ذلك لما فيه من كف الحرب وحقن الدماء وأظهر الفرنساوية الخداع والخضوع حتى تم عقد الصلح على اثنين وعشرين شرطًا رسمت وطبعت في طومار كبير وورد الخبر بذلك الى مصر وفرح الناس بذلك فرحًا شديدًا. وأرسل ساري عسكر الفرنساوية مكاتبة بصورة الحال الى دوجا قائمقام فجمع أهل الديوان وقرأ عليهم ذلك ولما ورد ذلك الطومار المتضمن لعقد الصلح والشروط وعربوه وطبعوا منه نسخًا كثيرة فرقوا منها على الأعيان وألصقوا منها بالأسواق والشوارع. وصورته: بما فيه من الفصول والشروط بالحرف الواحد ما عدا ترجمة الأسطر التي باللغة الفرنساوية وهذه صورة الشروط الواقعة لخلو مصر ما بين حضرة الجنرال ديزه متفرقة وحضرة بسليغ مدير الحدود العام نواب ساري العسكر العام كلهبر المفوضين بكامل السلطان. وجناب سامي المقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيه أفندي رئيس كتاب الوكلاء المفوضين بكامل السلطان عن جناب حضرة الوزير سامي المقام أن للجيش الفرنساوي بمصر عندما قصد أن يوضح ما في نفسه من وفور الشوق لحقن الدماء ويرى نهاية الخصام المضر الذي قد حصل ما بين المشيخة الفرنساوية والباب العالي فقد ارتضى أن يسلم بخلو الإقليم المصري بحسب هذه الشروط الآتي ذكرها يأمل أن بهذا التسليم يمكن أن يتجه ذلك الى صلح العام في بلاد المغرب قاطبة. الشرط الأول - أن الجيش الفرنساوي يلزمه أن يتنحى بالأسلحة والعزال بالأمتعة الى الاسكندرية ورشيد وأبو قير لأجل أن يتوجه وينتقل بالمراكب الى فرانسا إن كان ذلك في مراكبهم الخاص بهم أم في تلك التي يقتضي للباب العالي أن يقدمها لهم بقدر الكفاية ولأجل تجهيز المراكب المذكورة بأقرب نوال فقد وقع الاتفاق بعد مضي شهر واحد من تقرير هذه الشروط يتوجه الى قلعة اسكندرية نائب من قبل الباب العالي وصحبته خمسون نفرًا. الشرط الثاني - فلا يدعن المهلة وتوقيف الحرب بمدة ثلاثة أشهر بالإقليم المصري وذلك من عهد إمضاء شروط الاتفاق هذه وإذا صادف الأمر أن هذه المهلة تمضي قبل أن المراكب الواجب تجهيزها من قبل الباب العالي تحضر جاهزة فالمهلة المذكورة يقتضي مطاولتها الى أن ينجز الرحيل على التمام والكمال ومن الواضح أنه لابد عن إصراف الوسايط الممكنة من قبيل الفريقين لكي لا يحصل ما يمكن وقوعه من التجسس إن كان ذلك من الجيش أم من أهل البلاد إذا كانت هذه المهلة قد حصل الاتفاق بها لأجل راحتهم. الشرط الثالث - فرحيل الجيش الفرنساوي يقتضي تدبيره بيد الوكلاء القادمين لهذه الغاية من قبل الباب الأعلى وساري العسكر كلهبر وإذا حصل خصام ما بين الوكلاء المذكورين بوقت الرحيل في هذا الصدد فلينتخب من قبل حضرة سيد نهي سميت رجل لينهي المخاصمات المذكورة بحسب قواعد السياسة البحرية السالكون عليها ببلاد الانكليز. الشرط الرابع - قطية والصالحية لابد من خلوهما عن الجيش الفرنساوي في ثامن يوم وأعظم ما يكون في عاشر يوم من إمضاء شروط الاتفاق هذه ومدينة المنصورة يكون خلوها من بعد خمسة عشر يومًا وأما دمياط وبلبيس من بعد عشرين يومًا وأما السويس فيكون خلوه ستة أيام قبل مدينة مصر وأما المحلات الكائنة في الجهة الشرقية من بحر النيل فيكون خلوها في اليوم العاشر والدلطا أي الإقليم البحرية يكون خلوها خمسة عشر يومًا من بعد خلو مصر. ولكن من حيث أنها لابد أن تستمر بيد الفرنساوية الى أن يكون انحدار العسكر من جهات الصعيد فجهة الغربية وتعلقاتها كما ذكر فممكن أنه لا يتيسر خلوها إلا من بعد انقضاء وقت المهلة المعين إذا لم يمكن خلوها قبل هذا الميعاد والمحلات التي تترك من الجيش فتسلم الى الباب الأعلى كما هي في حالها الآن. الشرط الخامس - ثم إن مدينة مصر إن أمكن ذلك يكون خلوها بعد أربعين يومًا وأكثر ما الشرط السادس - إنه لقد وقع الاتفاق صريحًا على أن الباب الأعلى يصرف كل اعتناء في أن الجيش الفرنساوي الموجود في الجهة الغربية من بحر النيل عندما يقصد التنحي: بكامل ما له من السلاح والعزال لنحو معسكرهم لا تصير عليه مشقة ولا أحد يشوش عليه إن كان ذلك مما يتعلق بشخص كل واحد منهم أو بأمتعته أو بكرامته وذلك إما من أهالي البلاد وإما من جهة العسكر السلطاني العثملي. الشرط السابع - وحفظًا لإتمام الشرط المذكور أعلاه وملاحظة لمنع ما يمكن وقوعه من الخصام والمعاداة فلابد عن استعمال الوسائط في أن عسكر الإسلام يكون دائمًا متباعدًا عن العسكر الفرنساوي. الشرط الثامن - فمن تقرير وإمضاء هذه الشروط فكل من كان من الإسلام أم من باقي الطوائف من رعايا البلم الأعلى بدون تمييز الأشخاص أولئك الواقع عليها الضبط أم الذين واقع عليهم الترسيم ببلاد فرانسا أو تحت أمر الفرنساوية بمصر يعطى لهم الإطلاق والتعلق. وبمثل ذلك فكل الفرنساوية المسجونين في كامل البلدان والأساكل من مملكة العثملي وكذلك كامل الأشخاص من أيما طائفة كانت أولئك الذين كانوا في تعلق خدمة المراسلات والقناصل الفرنساوية لابد عن انعتاقهم. الشرط التاسع - فترجيع الأموال والأملاك المتعلقة بسكان البلاد والرعايا من الفريقين أم دفع مبالغ أثمانها لأصحابها فيكون الشروع به حالًا من بعد خلو مصر والتدبير في ذلك يكون بيد الوكلاء في اسلامبول المقامين بوجه خاص من الفريقين لهذا الصدد. الشرط العاشر - فلا يحصل التشويش لأحد من سكان الإقليم المصري من أي ملة كانت. وذلك لا في أشخاصهم ولا في أموالهم نظرًا الى ما يمكن أن يكون قد حصل من الاتحاد ما بينهم وبين الفرنساوية من إقامتهم بأرض مصر. الشرط الحادي عشر - ولابد أن يعطى للجيش الفرنساوي إن كان من قبل الباب الأعلى أو من قبل المملكتين المرتبطين معه أعني بها مملكة انكلترة ومملكة المسكوب فرمانات الإذن والأوراق المحافظة بالطريق وبمثل ذلك السفن اللازمة لرجع الجيش المذكور بالأمن والأمان الى بلاد فرانسا. الشرط الثاني عشر - وعند نزول الجيش الفرنساوي المذكور الكائن بمصر الآن فالباب الأعلى وباقي الممالك المتحدة معه يعاهدون بأجمعهم أنهم من وقت ينزلون بالمراكب الى حين وصولهم الى أراضي فرانسا لا يحصل عليهم شيء قط مما يكدرهم وبنظير ذلك فحضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر لعام يعاهد من قبله وصحبته الجيش الفرنساوي الكائن بمصر بأنه لا يصدر منهم ما يؤول الى المعاداة على الإطلاق مادامت المدة المذكورة وذلك لا ضد العمارة ولا ضد بلدة من بلدان الباب الأعلى وباقي الممالك المرتبطة معه وكذلك أن السفن التي يسافر بها الجيش المشار إليه ليس لها أن ترى في حد من الحدود إلا بتلك التي تختص بأراضي فرانسا ما لم يكن ذلك في حادث ما ضروري. الشرط الثالث عشر - ونتيجة ما قد وقع الاتفاق عليه من الإمهال المشترط أعلاه بما يلاحظ خلو الإقليم المصري فالجهات الواقع بينهم هذا الاشتراط قد اتفقوا على أنه إذا حضر في حد هذه المدة المذكورة مركب من بلاد فرانسا بدون معرفة غلايين الممالك المتحدة ودخل بمينا اسكندرية فلازم عن سفره حالًا وذلك من بعد أن يكون قد تحوج بالماء والزاد اللازم ويرجع الى فرانسا وذلك بسندات أوراق الإذن من قبل الممالك المتحدة وإذا صادف الأمر أن مركبًا من هذه المراكب يحتاج الى الترقيع فهذه لا غير يباح لها الإقامة الى أن ينتهي إصلاحها المذكور وفي الحال من ثم تتوجه الى بلاد فرانسا نظير التي قد تقدم القول عنها عند أول ريح يوافقها. الشرط الرابع عشر - وقد يستطيع حضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر العام أن يرسل خبرًا الى أرباب الأحكام الفرنساوية في الحال ومن يصحب هذا الخبر لابد أن تعطى له أوراق الإذن بالإطلاق كما يقتضي ليسهل بهذه الواسطة وصول الخبر الى أصحاب الحكم بفرانسا. الشرط الخامس عشر - وإذا قد اتضح أن الجيش الفرنساوي يحتاج الى المعاش اليومي مادامت الثلاثة أشهر المعينة لخلو الإقليم المصري وكذلك لمعاش الثلاثة الأشهر الأخرى التي يكون مبتدأها من يوم نزولهم بالمراكب فقد وقع الاتفاق على أنه يقدم له مقدار ما يلزم من القمح واللحم والأرز والشعير والتبن وذلك بموجب القائمة التي تقدمت الآن من وكلاء الجمهور الفرنساوي إن كان ذلك مما يخص إقامتهم أو ما يلاحظ سفرهم والذي يكون قد أخذه الجيش المذكور مقدار ما كان من شؤونه وذلك من بعد إمضاء هذه الشروط فينخصم مما قد لزم ذاته بتقدمته الباب الأعلى. الشرط السادس عشر - ثم إن الجيش الفرنساوي منذ ابتدأ وقوع إمضاء هذه الشروط المذكورة ليس له أن يفرد على البلاد فردة ما من الفرائد قطعًا بالإقليم المصري لا بل وبالعكس فإنه يخلي للباب الأعلى كامل فرد المال وغيره مما يمكن توجيه قبضه وذلك الى حين سفرهم. وبمثل ذلك الجمال والهجن والجبخانة والمدافع وغير ذلك مما يتعلق بهم ولا يريدون أن يحملوه معهم ونظير ذلك شون الغلال الواردة لهم من تحت المال وأخيرًا مخازن الخراج فهذه كلها لابد عن الفحص عنها وتسعيرها من أناس وكلاء موجهين من قبل الباب الأعلى لهذه الغاية ومن أمين البحر الانكليزي وبرفقة الوكلاء المتصرفين بأمر الجنرال كلهبر ساري العسكر وهذه الأمتعة لابد عن قبولها من وكلاء الباب الأعلى المتقدم ذكرهم بموجب ما وقع عليه السعر الى حد قدر مبلغ ثلاثة آلاف كيس التي تقتضي للجيش الفرنساوي المذكور لسهولة انتقاله عاجلًا ونزوله بالمراكب وإذا كانت الأسعار في هذه الأمتعة المذكورة لا توازي المبلغ المرقوم أعلاه فالخسيس والنقص في ذلك لابد عن دفعه بالتمام من قبل الباب الأعلى على جهة السلفة تلك التي يلزم بوفائها أرباب الأحكام الفرنساوية بأوراق التمسكات المدفوعة من الوكلاء المعينين من الجنرال كلهبر ساري العسكر العام لقبض واستلام المبلغ المذكور. الشرط السابع عشر - ثم إنه إذا كانت تقتضي للجيش الفرنساوي بعض مصاريف لخلوهم مصر فلابد أن تقبض وذلك من بعد تقرير تمسك الشروط المذكورة القدر المحدد أعلاه بالوجه الآتي ذكره أعني فمن بعد مضي خمسة عشر يومًا خمسمائة كيس وفي غلاق الثلاثين يومًا خمسمائة كيس أخرى وبتمام الأربعين يومًا ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الخميس يومًا ثلثمائة كيس شرحه وعند غلاق الستين يومًا ثلثمائة كيس أخرى وفي السبعين يومًا ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الثمانين يومًا ثلثمائة كيس أخرى وعند غلاق التسعين يومًا خمسمائة كيس أخرى وكل هذه الأكياس المذكورة هي عن كل كيس خمسمائة غرش عثملي ويكون قبضها على سبيل السلفة من يد الوكلاء المعينين لهذه الغاية من قبل الباب الأعلى ولكي يسهل إجراء العمل بما وقع الاعتماد عليه فالباب الأعلى من بعد وضع الإمضاء على النسختين من الفريقين الشرط الثامن عشر - ثم إن فرد المال الذي يكون قد قبضه الفرنساوية من بعد تاريخ تحرير الشروط المذكورة وقبل أن يكون قد اشتهر هذا الاتفاق في الجهات المختلفة بالإقليم المصري فقد تخصم من قدر مبلغ الثلاثة آلاف كيس المتقدم القول عنها. الشرط التاسع عشر - ثم إنه لكي يسهل خلو المحلات سريعًا فالنزول في المراكب الفرنساوية المختصة بالحمولة والموجودة في المين بالإقليم المصري مباح به مادامت مدة الثلاثة أشهر المذكورة المعينة للمهلة وذلك من دمياط ورشيد حتى الى الاسكندرية ومن اسكندرية حتى الى رشيد ودمياط. الشرط العشرون - فمن حيث أنه للطمأن الكلي في جهات البلاد الغربية يقتضي الاحتراس الكلي لمنع الوبا الطاعوني عن أنه يتصل هناك فلا يباح ولا لشخص من المرضى أو من أولئك الذين مشكوك بهم برائحة من هذا الداء الطاعوني أن ينزل بالمراكب بل أن المرضى بعلة الطاعون أو بعلة أخرى أينما كانت تلك التي بسببها لا يقتضي أن يسمح بسفرهم بمدة خلو الإقليم المصري الواقع عليها الاتفاق يستمرو نفي بيمارستان المرضي حيث هم الآن تحت أمان جناب الوزير الأعظم عالي الشأن ويعالجونهم الأطباء من الفرنساوية أولئك الذين يجاورونهم بالقرب منهم الى أن يتم شفاهم يسمح لهم بالرحيل الشيء الذي لابد عن اقتضاء الاستعجال به بأسرع ما يمكن ويحصل لهم ويبدو نحوهم ما ذكر في الشرطين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الاتفاق نظير ما يجري على باقي الجيش ثم إن أمير الجيش الفرنساوي يبذل جهده في إبراز الأوامر الأشد صرامة لرؤساء العساكر النازلة بالمراكب بأن لا يسمحوا لهم بالنزول بمينا خلاف المين التيتتعين لهم من رؤساء الأطباء تلك المين التي يتيسر لهم بها أن يقضوا أيام الكارنتينة بأوفر السهولة من حيث أنها من مجرى العادة ولابد عنها. الشرط الحادي والعشرون - فكل ما يمكن حدوثه من المشاكل التي تكون مجهولة ولم يمكن الاطلاع عليها في هذه الشروط فلابد عن تجاوزها بوجه الاستحباب ما بين الوكلاء المعينين لهذا القصد من قبل الجناب الوزير الأعظم عالي الشأن وحضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر العام بوجه يسهل ويحصل الإسراع بالخلو. الشرط الثاني والعشرون - وهذه الشروط لا تعد صحيحة إلا من بعد إقرار الفريقين وتبديل النسخ وذلك بمدة ثمانية أيام ومن بعد حصول هذا الإقرار لابد عن حفظ هذه الشروط الحفظ اليقين من الفريقين كليهما. صح وثبت وتقرر بختوماتنا الخاصة بنا بالمعسكر حيث وقعت المداولة بحد العريش في شهر يلويوز سنة ثمان من إقامة المشيخة الفرنساوية وفي رابع عشرينه شهر كانون الثاني غربي من سنة ألف وثمانمائة الواقع في ثامن عشرين شهر شعبان هلالية سنة 1224 هجرية. الممضيين الجنرال متفرقة ذره البلدي بوسيهلغ المفوضين بكامل سلطانه الجنرال كلهبر وجناب سامي مقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيسه أفندي رئيس الكتاب المفوضين بكامل سلطان جناب الوزير الأعظم عالي الشأن منقولة عن النسخة الأصلية الموافقة لتلك الموجهة بالفرنساوية الى الوكلاء العثملي بدلًا من التي قد وجهوها باللغة التركي ممضي دزه وبوسيهلغ تقرير الجنرال ساري العسكر العام محرر في آخر السنة التركية التي بقيت محفوظة بيد الوزير الأعظم إنني أنا الواضع اسمي أدناه الجنرال ساري العسكر العام أمير الجيش الفرنساوي بالإقليم المصري أثبت وأقرر شروط الاتفاق المذكور أعلاه للحصول على إجرائه بالعمل بالنوع والصورة إن كان من اللازم أن أتيقن بأن الاثنين وعشرين شرطًا المشروحة الى الآن هي موافقة على التدقيق باللغة الفرنساوية الممضي عليها من الوكلاء أصحاب ولاية الوزير الأعظم والمقررة من جناب عالي الشأن الترجمة التي لابد عن الاعتماد بإجرائها كل مرة إن كان لسبب أم لآخر ممكن حصول بعض الاختلافات ومن ثم فتقلد بعض المشاكل. صح وجرى بمحل العسكر العام بالصالحية في ثامن شهر يلويوز سنة ثمان من المشيخة. ممضي كلهبر عن نسخة صحيحة الجنرال متفرقة رأس صاحب ختام في الجيش الفرنساوي. ممضي داماس انتهى بحروفه وما فيه من خطأ أو تحريف فهو طبق الأصل المطبوع بالمطبعة الفرنساوية باللغة العربية ولم أغير منه سوى ما في تواريخ الأشهر والسنين بالأرقام الهندية والله أعلم. استهل شهر رمضان المعظم بيوم الأحد سنة 1214 في ثانيه حضر ساري عسكر الفرنساوية كلهبر الى ناحية العادلية وصحبته آغا من رجال الدولة العثمانية يسمى محمد آغا فأرسل ساري عسكر الى حسن آغا نجاتي المحتسب يأمره بأن يتلقاه وينزله في بيته ويكرمه إكرامًا زائدًا فلما كان بعد العشاء دخل ذلك الآغا الى مصر في موكب فحصل للناس ضجة عظيمة وازدحموا على مشاهدتهم له والفرجة عليه وارتفعت أصواتهم وعلا ضجيجهم وركبوا على مصاطب الدكاكين والسقائف وانطلقت النساء والزغاريت من الطيقان واختلفت آراؤهم في ذلك القادم ولم يعلموا ما هو فدخل من باب النصر وشق القاهرة ولم يزل سائرًا حتى وصل الى بيت حسن آغا بسويقة اللالا فنزل هناك فلما استقر به الجلوس ازدحم الناس والأعيان للسلام عليه ولمشاهدته بالمشاعل والفوانيس. فلما كان صبح تلك الليلة عمل ديوانًا وجمع العلماء والوجاقلية وأعيان الناس وكبار النصارى من الأقباط والشوام فلما تكاملوا أبرز لهم فرمانًا من الوزير فقرئ عليهم بالمجلس فدل مضمونه على أنه أغات الجمارك أي المكوس بمصر بولاق ومصر القديمة وفيه التحكير على جميع الواردات من أصناف الأقوات فيشتريها بالثمن الذي يسعره هو بمعرفة المحتسب ويودعه في المخازن وأبرز فرمانًا آخر قرئ بالمجلس مضمونه أن الوزير أقام مصطفى باشا الذي كان أسر بأبي قير وكيلًا عنه وقائمقام بمصر الى حين حضوره وأن السيد أحمد المحروقي كبير التجار ملزوم ومقيد بتحصيل الثلاثة آلاف كيس المعينة لترحيل الفرنساوية. وانفض المجلس على ذلك وأخذ السيد أحمد المحروقي في تحصيل ذلك القدر من الناس وفرضوه على التجار وأهل الأسواق والحرف وشرعوا في تحكير الأقوات فغلت أسعارها وضاقت مؤن الناس ودهى الناس من أول أحكامهم بهاتين الداهيتين وكان أول قادم منهم أمير المكوسات ومحكر الأقوات وأول مطلوبهم مصادرة الناس وأخذ المال منهم وتغريمهم واجتهد السيد أحمد المحروقي في توزيع ذلك وجمعه في أيام قليلة فكان كل من توجه عليه مقدار من ذلك اجتهد في تحصيله وأخرجه عن طيفه قلب وانشراح خاطر وبادر بالدفع من غير تأخير لعلمه أن ذلك لترحيل الفرنساوية ويقول سنة مباركة ويوم سعيد بذهاب الكلاب الكفرة كل ذلك بمشاهدة الفرنسيس ومسمعهم وهم يحقدون ذلك عليهم وحضر مصطفى باشا من الجيزة وسكن ببيت عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين. وأرسل الوزير فرمانات الى البلاد وعين المعينين والمباشرين بطلب المال والغلال والكلف من الأقاليم وأرسل الى البنادر وجعل في كل بندر أميرًا ووكيلًا لجمع الغلال والمطلوبات من الذخيرة وجمعها بالحواصل ولا يخفى ما يحصل في ضمن ذلك من الجزئيات التي سيتضح بعضها فيما بعد وأما الرعايا وهمج الناس من أهل مصر فإنهم استولى عليهم سلطان الغفلة ونظروا للفرنسيس بعين الاحتقار وأنزلوهم عن درجة الاعتبار وكشفوا نقاب الحياء معهم بالكلية وتطاولوا عليهم بالسب واللعن والسخرية ولم يفكروا في عواقب الأمور ولم يتركوا معهم للصلح مكانًا حتى أن فقهاء المكاتب كانوا يجمعون الأطفال ويمشون بهم فرقًا وطوائف حسبة وهم يجهرون ويقولون كلامًا مقفى بأعلى أصواتهم بلعن النصارى وأعوانهم وأفراد رؤسائهم كقولهم: الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان ونحو ذلك وظنوا فروغ القضية ولم يملكوا لأنفسهم صبرًا حتى تنقضي الأيام المشروطة على أن ذلك لم يثمر إلا الحقد والعداوة التي تأسست في قلوب الفرنسيس وأوجبت ما حصل بعد ذلك من وقوع العذاب البئيس. وقال الشعبي من جملة كلام: وصادفنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء وأخذ الفرنساوية في أهبة الرحيل وشرعوا في بيع أمتعتهم وما فضل عن سلاحهم ودوابهم وسلموا غالب الثغور والقلاع كالصالحية وبلبيس ودمياط والسويس ثم إن العثمانيين تدرجوا في دخول مصر وصار في كل يوم يدخل منهم جماعة بعد جماعة وأخذوا يشاركون الناس في صناعاتهم وحرفهم مثل القهوجية والحمامية والخياطين والمزينين وغيرهم فاجتمع العامة وأصحاب الحرف الى مصطفى باشا قائمقام وشكوا إليه فلم يلتفت لشكواهم لأن ذلك من سنن عساكرهم وطرائقهم القبيحة. ووصل الخبر بوصول حضرة الوزير الى بلبيس وصحبته الأمراء المصرية وأرسلوا الى مراد بك ومن معه بالحضور الى العرضي فأجاب بالاعتذار عن الحضور لأنه في الصعيد. فلم يقبلوا عذره فأكدوا عليه بالحضور فاستأذن الفرنساوية سرًا فاستأذنوا له في المقابلة وكان سفيره في ذلك عثمان بك البرديسي ثم إنه حضر وقابل الوزير بصحبة ابراهيم بك وخلع عليهما ورجع مراد بك فخيم جهة العادلية وحضر حسن آغا نزله أمين ودخل مصر وأخلى افرنساوية قلعة الجبل وباقي القلاع التي أحدثوها ونزلوا منها فلم يطلع إليها أحد من العثمانيين ولم يلتفتوا لتحصينها ولا ربطها بالعساكر والجبخانة وأعرضوا عن المحاذرة وركبهم الغرور لأجل نفاذ المقدور وحضر أيضًا غالب المصريين الفارين من مصر وقت مجيء الفرنساوية إليها من الأغوات والوجاقلية والأفندية والكتبة مثل ابراهيم أفندي الروزنامجي وثاني قلفة وغيرهما بنسائهم وأولادهم يظنون فروغ القضية والذي خافوا منه وقعوا فيه كما ستراه وأرسل ابراهيم بك الى السيد أحمد المحروقي يطلب كساوى وثيابًا وطرابيش وسراويل للمماليك ولخاصة نفسه فأرسل إليه مطلوبه وأخرجت لهم الخيام والتراتيب والنظام وهيأت نساء الأمراء والأجناد احتياجاتهم وترتيباتهم وجروا على عادتهم في العالي ولازمت الخدم والفراشون الغدو والرواح الى خيم ساداتهم وهم راكبون البغال والرهونات والحمير الفارهة وفي جحورهم تعابي الثياب والبقج المزركشة بالذهب والفضة. وكذلك الخدم الذين يحملون الخوانات وطبالي الأطبخة والأطعمة وعليها الأغطية الحرير والوشي الملون وهم يتغنون برفع أصواتهم ويتجاوبون بكلام وسخريات ولعن للنصارى البلدية والفرنسيس بمرأى منهم ومسمع الى غير ذلك مما يحرك الحفائظ ويوغر الصدور. ولما استقر الوزير بمدينة بلبيس وذلك في الثاني والعشرين من شهر رمضان استأذن العلماء والتجار والأعيان المصرية مصطفى باشا في التوجه للسلام فاستأذن ثم أذن لهم فذهبوا أيضًا الى ساري عسكر كلهبر واستأذنوه فأذن لهم أيضًا فذهبوا عند ذلك للسلام عليه فوصلوا الى نصوح باشا والي مصر وسلموا عليه وباتوا بوطاقه فلما وصلوا إليه واستقر بهم الجلوس سأل عن أسمائهم وكذلك عن التجار وأكابر النصارى ثم خلع عليهم خلعًا وانصرفوا من عنده فطافوا على أكابر الدولة بالعرضي وكذلك على الأمراء المصرية ورجعوا الى مصر ودخلوها وعليهم تلك الخلع وصحبتهم قاضي العسكر وهو لابس قبوط أسود ووصل نصوح باشا والأمراء الى جهة الخانكاه ثم الى المطرية. وفيه حضر درويش باشا والي الصعيد الى خارج القاهرة جهة الشيخ قمر فمكث أيامًا ثم توجه الى قبلي وصحبته نحو المائة نفر وكذلك ذهبت طائفة الى السويس والى دمياط والمنصورة وانبثوا في البلاد ودخلوا مصر شيئًا فشيئًا. واستهل
|